فصل: قال في ملاك التأويل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}، وفي سورة العنكبوت: {لنبوئنهم من الجنة غرفا تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين}.
للسائل أن يسأل عن وجه العطف في الأولى وقوله في الثانية: {نعم أجر العاملين} غير معطوف على ما قبله.
ووجه ذلك والله أعلم أن الآية الأولى لما وقع فيها ذكر الجزاء مفصلا معطوفا فقيل: {أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها} ناسبه أن عطفت الجملة الممدوح بها الجزاء فقيل: {ونعم أجر العاملين} ولما لم يفصل الجزاء في سورة العنكبوت ولا وقع فيه عطف جاءت جملة المدح غير معطوفة ليتناسب النظم والله أعلم. اهـ..

.من فوائد أبي السعود:

قال عليه الرحمة:
{أولئك} إشارةٌ إلى المذكورين آخِرًا باعتبار اتصافِهم بما مرَّ من الصفات الحميدةِ، وما فيه من معنى البُعد للإشعار ببعيد منزلتِهم وعلوِّ طبقتِهم في الفضل، وهو مبتدأٌ وقوله تعالى: {جَزَاؤُهُمْ} بدلُ اشتمالٍ منه وقوله تعالى: {مَغْفِرَةٌ} خبرٌ له أو جزاؤهم مبتدأٌ ثانٍ ومغفرةٌ خبر له، والجملةُ خبرٌ لأولئك، وهذه الجملةُ خبر لقوله تعالى: {والذين إِذَا فَعَلُواْ} الخ على الوجه الأولِ وهو الأظهرُ الأنسبُ بنظم المغفرةِ المنبئةِ عن سابقة الذنبِ في سلك الجزاءِ، إذ على الوجهين يكون قوله تعالى: {أولئك} الخ جملةً مستأنفةً مبينةً لما قبلها كاشفةً عن حال كلا الفريقين المحسنين والتائبين، ولم يُذكَرْ من أوصاف الأولين ما فيه شائبةُ الذنبِ حتى يُذكَرَ في مطلَع الجزاءِ الشاملِ لهما المغفرةُ، وتخصيصُ الإشارةِ بالآخِرين مع اشتراكهما في حكم إعدادِ الجنةِ لهما تعسُّفٌ ظاهر {مّن رَّبّهِمُ} متعلقٌ بمحذوف وقع صفةً لمغفرةٌ مؤكدةً لما أفاده التنوينُ من الفخامة الذاتيةِ بالفخامة الإضافيةِ أي كائنةٌ من جهته تعالى. والتعرضُ لعنوان الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميرهم للإشعار بعلة الحُكمِ والتشريفِ {وجنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار} عطفٌ على مغفرةٌ، والتنكيرُ المُشعِرُ بكونها أدنى من الجنة السابقةِ مما يؤيد رُجحانَ الوجهِ الأول {خالدين فِيهَا} حالٌ مقدّرةٌ من الضمير في جزاؤهم لأنه مفعولٌ به في المعنى لأنه في قوة يجزيهم الله جناتٌ خالدين فيها، ولا مَساغَ لأن يكون حالًا من جناتٌ في اللفظ وهي لأصحابها في المعنى إذ لو كان كذلك لبرز الضمير.
{وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} المخصوصُ بالمدح محذوفٌ أي ونعم أجرُ العاملين ذلك، أي ما ذُكر من المغفرة والجناتِ، والتعبيرُ عنهما بالأجر المشعرِ بأنهما يُستحقان بمقابلة العمل وإن كان بطريق التفضُّل لمزيد الترغيبِ في الطاعات والزجرِ عن المعاصي، والجملةُ تذييلٌ مختصٌّ بالتائبين حسبَ اختصاصِ التذييلِ السابقِ بالأولين وناهيك مضمونُهما دليلًا على ما بين الفريقين من التفاوت النيِّرِ والتبايُنِ البيِّن، شتانَ بين المحسنين الفائزين بمحبة الله عز وجل وبين العاملين الحائزين لأُجرتهم وعمالتِهم. اهـ..

.من فوائد صاحب المنار:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
اعْلَمْ أَنَّ وَضْعَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي التَّرْهِيبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالْإِنْذَارِ وَالتَّبْشِيرِ فِي سِيَاقِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ هُوَ مِنْ سُنَّةِ الْقُرْآنِ فِي مَزْجِ فُنُونِ الْكَلَامِ وَضُرُوبِ الْحِكَمِ وَالْأَحْكَامِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَمَحَلُّ بَيَانِ سَبَبِ ذَلِكَ وَحِكْمَتِهِ مُقَدِّمَةُ التَّفْسِيرِ، وَقَدْ نُشِيرُ إِلَى بَعْضِهَا أَحْيَانًا فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ الْآيَاتِ، عَلَى أَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ لَا تُنَافِي أن يكون لِاتِّصَالِ كُلِّ آيَةٍ أَوْ آيَاتٍ بِمَا قَبْلَهَا وَجْهٌ وَجِيهٌ تَتَقَبَّلُهُ الْبَلَاغَةُ بِقَبُولٍ حَسَنٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ.
قَالَ الرَّازِيُّ هُنَا: اعْلَمْ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ أنه تعالى لَمَّا شَرَحَ عَظِيمَ نِعَمِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِرْشَادِهِمْ إِلَى الْأَصْلَحِ لَهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَفِي الْجِهَادِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَا يَدْخُلُ فِي الأمر وَالنَّهْيِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّحْذِيرِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا، وَقَالَ الْقَفَّالُ- رَحِمَهُ اللهُ-: يَحْتَمِلُ أن يكون ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِمَا تَقَدَّمَ، مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَنْفَقُوا عَلَى تِلْكَ الْعَسَاكِرِ أَمْوَالًا جَمَعُوهَا بِسَبَبِ الرِّبَا، فَلَعَلَّ ذَلِكَ يَصِيرُ دَاعِيًا لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الرِّبَا حَتَّى يَجْمَعُوا الْمَالَ وَيُنْفِقُوهُ عَلَى الْعَسْكَرِ فَيَتَمَكَّنُونَ مِنَ الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ. فَلَا جَرَمَ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ اهـ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَيُقَالُ فِي الثَّانِي: إِنَّ الْمَرْوِيَّ فِي السِّيَرِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَنْفَقُوا فِي حَرْبِ أُحُدٍ مَا رَبِحُوا فِي تِجَارَةِ الْعِيرِ الَّتِي جَاءَتْ مِنَ الشَّامِ عَامَ بَدْرٍ- كَمَا تَقَدَّمَ- فَمَا أَوْرَدَهُ الرَّازِيُّ غَيْرُ وَجِيهٍ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَجْهُ الِاتِّصَالِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا قَبْلَهَا أَنَّ مَا قَبْلَهَا فِي بَيَانِ أَنَّ اللهَ نَصَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ أَذِلَّةٌ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا نُصِرُوا بِتَقْوَى اللهِ وَامْتِثَالِ الأمر وَالنَّهْيِ؛ وَلِذَلِكَ خُذِلُوا فِي أُحُدٍ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ وَالطَّمَعِ فِي الْغَنِيمَةِ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْبِطَانَةِ مِنَ الْيَهُودِ وَبَيَانِ أنه لَا يَضُرُّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْدُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ مَا اعْتَصَمُوا بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى، وَقَدْ كَانَ مِنْ مُوَادَّاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيَهُودِ وَاتِّخَاذِ الْبِطَانَةِ مِنْهُمْ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ رَابَى كَمَا كَانُوا يُرَابُونَ، وَكَانَ الْبَعْضُ الْآخَرُ مَظِنَّةَ أَنْ يُرَابِيَ تَوَسُّلًا لِجَلْبِ الْمَالِ الْمَحْبُوبِ بِسُهُولَةٍ، فَكَانَ التَّرْتِيبُ فِي الْآيَاتِ هَكَذَا: نَهَاهُمْ عَنِ اتِّخَاذِ الْبِطَانَةِ مِنَ الْيَهُودِ وَأمثالهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِشُرُوطِهَا الَّتِي هِيَ مَثَارُ الضَّرَرِ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ بِهِ ضَرَرَهُمْ وَشَرَّ كَيْدِهِمْ وَهُوَ تَقْوَى اللهِ وَطَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ ذَلِكَ طَرْدًا وَعَكْسًا بِذِكْرِ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَوَقْعَةِ أُحُدٍ، ثُمَّ نَهَاهُمْ عَنْ عَمَلٍ آخَرَ مِنْ شَرِّ أَعْمَالِ أُولَئِكَ الْيَهُودِ وَمَنِ اقْتَدَى بِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَشَدِّهَا ضَرَرًا وَهُوَ أَكْلُ الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً (قَالَ): وَقَدْ كَانَ مَا تَقَدَّمَ تَمْهِيدًا لِهَذَا النَّهْيِ وَحُجَّةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ الْمُتَوَقَّعَ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ سَبَبَ السَّعَادَةِ وَإِنَّمَا سَبَبُهَا مَا ذُكِرَ مِنَ التَّقْوَى وَالِامْتِثَالِ.
أَقُولُ: وَيُقَوِّي رَأْيَ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ أَنَّ السِّيَاقَ كُلَّهُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى نَحْوِ سَبْعِينَ آيَةً فِي مُحَاجَّةِ النَّصَارَى، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْيَهُودِ، وَوَرَدَتْ قِصَّةُ أُحُدٍ وَمَا فِيهَا مِنَ الْعِبَرِ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَنِ الْيَهُودِ، ثُمَّ بَعْدَ انْتِهَائِهَا يَعُودُ الْكَلَامُ إِلَى الْيَهُودِ وَلاسيما فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْمَالِ وَالنَّفَقَاتِ، فَلَا غَرْوَ إِذَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ وَإِنْفَاقِهِ وَفِي آخِرِهَا شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنَاسَبَةٌ وَاشْتِبَاكٌ بِصِلَةِ الْمُسْلِمِينَ بِالْيَهُودِ، وَالْحَرْبُ مِمَّا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ، وَحَالُ الْيَهُودِ فِيهِ مَعْلُومَةٌ. وَالْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْحَثُّ عَلَى بَذْلِ الْمَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَالدِّفَاعِ عَنِ الْمِلَّةِ وَالْأُمَّةِ، وَالتَّنْفِيرُ عَنِ الطَّمَعِ فِيهِ، وَشَرُّهُ أَكْلُ الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً؛ وَلِذَلِكَ قَدَّمَ النَّهْيَ عَنْ هَذَا الشَّرِّ عَلَى الأمر بِذَلِكَ الْخَيْرِ تَقْدِيمًا لِلتَّخْلِيَةِ عَلَى التَّحْلِيَةِ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} هَذَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا، وَآيَاتُ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا نَزَلَتْ بَعْدَ هَذِهِ، بَلْ هِيَ آخِرُ آيَاتِ الْأَحْكَامِ نُزُولًا، وَالْمُرَادُ بِالرِّبَا فِيهَا رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمَعْهُودُ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ عِنْدَ نُزُولِهَا لَا مُطْلَقُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ، فَمَا كُلُّ مَا يُسَمَّى زِيَادَةً مُحَرَّمٌ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا فِي إِسْلَامِكُمْ، بَعْدَ إِذْ هَدَاكُمْ لَهُ كَمَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَهُ فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ، وَكَانَ أَكْلُهُمْ ذَلِكَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَأن يكون لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مَالٌ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ: أَخِّرْ عَنِّي دَيْنَكَ وَأَزِيدُكَ عَلَى مَالِكَ، فَيَفْعَلَانِ ذَلِكَ، فَذَلِكَ هُوَ الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، فَنَهَاهُمُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- فِي إِسْلَامِهِمْ عَنْهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ فَمِنْهَا عَنْ عَطَاءٍ: كَانَتْ ثَقِيفٌ تُدَايِنُ فِي بَنِي الْمُغِيرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالُوا: نَزِيدُكُمْ وَتُؤَخِّرُونَ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أنه قَالَ فِي الْآيَةِ: رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ وَعَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ أَبِي زَيْدٌ (الْعَالِمُ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ) يَقُولُ: إِنَّمَا كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي التَّضْعِيفِ وَفِي السِّنِّ: يَكُونُ لِلرَّجُلِ فَضْلُ دَيْنٍ فَيَأْتِيهِ إِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَيَقُولُ لَهُ: تَقْضِينِي أَوْ تَزِيدُنِي؛ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَقْضِيهِ قَضَى وَإِلَّا حَوَّلَهُ إِلَى السِّنِّ الَّتِي فَوْقَ ذَلِكَ إِنْ كَانَتِ ابْنَةَ مَخَاضٍ يَجْعَلُهَا ابْنَةَ لَبُونٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ حِقَّةً ثُمَّ جَذَعَةً ثُمَّ رُبَاعِيًّا ثُمَّ هَكَذَا إِلَى فَوْقٍ. وَفِي الْعَيْنِ (النُّقُودِ) يَأْتِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَضْعَفَهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَضْعَفَهُ أيضا فَتَكُونُ مِائَةً فَيَجْعَلُهَا إِلَى قَابِلٍ مِائَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جَعَلَهَا أَرْبَعَمِائَةٍ يُضَعِّفُهَا لَهُ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ يَقْضِيهِ قَالَ: فَهَذَا قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذَا الَّذِي فَسَّرَ بِهِ زَيْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْآيَةَ هُوَ مِنَ الرِّبَا الْفَاحِشِ الْمَعْرُوفِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِالْمُرَكَّبِ، وَتَرَى أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَمَنْ رُوِيَ عَنْهُمْ مِنَ السَّلَفِ فِي تَصْوِيرِ الرِّبَا كُلِّهِ فِي اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ كَأَنْ يُعْطِيهِ الْمِائَةَ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتَفُونَ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالْقَلِيلِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِ الْمَدِينُ- وَهُوَ فِي قَبْضَتِهِمْ- اضْطَرُّوهُ إِلَى قَبُولِ التَّضْعِيفِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْسَاءِ وَمَا قَالُوهُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَامَّةِ أَهْلِ الْأَثَرِ وَمِنْهُ عِبَارَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الشَّهِيرَةِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ أنه لَمَّا سُئِلَ عَنِ الرِّبَا الَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ قَالَ: هُوَ أن يكون لَهُ دَيْنٌ فَيَقُولُ لَهُ: أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي؟ فَإِنْ لَمْ يَقْضِ زَادَهُ فِي الْمَالِ وَزَادَهُ هَذَا فِي الْأَجَلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الشَّرْعِ بِرِبَا النَّسِيئَةِ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي الزَّوَاجِرِ: أَنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الْإِنْسَاءُ فِيهِ بِالشُّهُورِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الرِّبَا: وَرِبَا النَّسِيئَةِ هُوَ الَّذِي كَانَ مَشْهُورًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْفَعُ مَالَهُ لِغَيْرِهِ إِلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كُلَّ شَهْرٍ قَدْرًا مُعَيَّنًا وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ بِحَالِهِ فَإِذَا حَلَّ طَالَبَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ زَادَهُ فِي الْحَقِّ وَالْأَجَلِ، وَتَسْمِيَةُ هَذَا نَسِيئَةً مَعَ أنه يَصْدُقُ عَلَيْهِ رِبَا الْفَضْلِ أيضا؛ لِأَنَّ النَّسِيئَةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ بِالذَّاتِ، وَهَذَا النَّوْعُ مَشْهُورٌ الْآنَ بَيْنَ النَّاسِ وَوَاقِعٌ كَثِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- لَا يُحَرِّمُ إِلَّا رِبَا النَّسِيئَةِ مُحْتَجًّا بأنه الْمُتَعَارَفُ بَيْنَهُمْ فَيَنْصَرِفُ النَّصُّ إِلَيْهِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ صَحَّتْ بِتَحْرِيمِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الرِّبَا، وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ يَنْصَرِفُ إِلَى رِبَا النَّسِيئَةِ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ مُتَعَيِّنٌ، وَهُوَ مَا جَرَيْنَا عَلَيْهِ هُنَا وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، إِذْ جَعَلْنَا حَرْفَ التَّعْرِيفِ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ الْمُرَادُ أيضا بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَفِي لَفْظٍ لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ يُبِيحُ رِبَا الْفَضْلِ كَأُسَامَةَ وَابْنِ عُمَرَ، وَمَنْ حَرَّمَهُ حَرَّمَهُ بِالْحَدِيثِ لَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّمَا حُرِّمَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ.
وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذَا الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الرِّبَا قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَالْآخَرُ تَعَبُّدِيٌّ، أَيْ إِنَّ الْأَوَّلَ مُحَرَّمٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ وَهُوَ رِبَا النَّسِيئَةِ- وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ضَرَرِ الرِّبَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِالتَّفْصِيلِ- وَالثَّانِي لَا يُعْرَفُ سَبَبُ تَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ وَهُوَ مَا يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالتَّعَبُّدِيِّ، أَيْ أنه حَرُمَ عَلَيْنَا لِنَتْرُكَهُ عِبَادَةً لِلَّهِ وَامْتِثَالًا لِأَمْرِهِ فَقَطْ، وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَهُوَ: الرِّبَا نَوْعَانِ: جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ. فَالْجَلِيُّ حَرُمَ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ، وَالْخَفِيُّ حَرُمَ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى الْجَلِيِّ، فَتَحْرِيمُ الْأَوَّلِ قَصْدٌ وَتَحْرِيمُ الثَّانِي وَسِيلَةٌ، فَأَمَّا الْجَلِيُّ فَرِبَا النَّسِيئَةِ وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِثْلَ أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَالِ، وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَ فِي الْمَالِ حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ آلَافًا مُؤَلَّفَةً، وَفِي الْغَالِبِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مُعْدِمٌ مُحْتَاجٌ، فَإِذَا رأى الْمُسْتَحِقَّ يُؤَخِّرُ مُطَالَبَتَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهِ بِزِيَادَةٍ يَبْذُلُهَا لَهُ؛ تَكَلَّفَ بَذْلَهَا لِيَفْتَدِيَ مِنْ أَسْرِ الْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ، وَيُدَافِعُ مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ، فَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ وَتَعْظُمُ مُصِيبَتُهُ، وَيَعْلُوهُ الدَّيْنُ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ مَوْجُودِهِ، فَيَرْبُو الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَاجِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ لَهُ، وَيَزِيدُ مَالُ الْمُرَابِي مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ مِنْهُ لِأَخِيهِ فَيَأْكُلُ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ وَيَحْصُلُ أَخُوهُ عَلَى غَايَةِ الضَّرَرِ، فَمِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَحِكْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى خَلْقِهِ أَنْ حَرَّمَ الرِّبَا وَلَعَنَ آكِلَهُ وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَآذَنَ مَنْ لَمْ يَدْعُهُ بِحَرْبِهِ وَحَرْبِ رَسُولِهِ، وَلَمْ يَجِئْ مِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ فِي كَبِيرَةٍ غَيْرَهُ؛ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَ هَذَا كَلِمَةَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الرِّبَا الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ- وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا آنِفًا- وَيَعْنِي بِذِكْرِهَا هُنَا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الرِّبَا الَّذِي يُعَدُّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ لَا الرِّبَا الَّذِي حُرِّمَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ كَرِبَا الْفَضْلِ؛ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا كَالْفَرْقِ بَيْنَ الزِّنَا وَالنَّظَرِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمْسِ يَدِهَا كَذَلِكَ أَوِ الْخَلْوَةِ بِهَا وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً لِذَاتِهَا بَلْ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ، أَيْ لِئَلَّا تَكُونَ وَسِيلَةً إِلَى الزِّنَا الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ، وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمُحَرَّمِ الشَّدِيدِ ضَرَرُهُ كَالزِّنَا وَأَكْلِ الرِّبَا الْمُضَاعَفِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسِفًا تَائِبًا مِنْ ذَنْبٍ ارْتَكَبَهُ- وَهُوَ تَقْبِيلُ امْرَأَةٍ فِي الطَّرِيقِ- وَسَأَلَهُ عَنْ كَفَّارَةِ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ كَفَّارَةٌ لَهُ أَيْ مَعَ التَّوْبَةِ، قَالُوا وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [11: 144] وَلَوْ كَانَ زَنَا بِهَا لَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَلَمْ يَرْحَمْهُ. فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ إِنَّ مَا وَرَدَ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَى الرِّبَا شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ خَطَأٌ؛ فَإِنَّ مِنْهَا عِنْدَهُ بَيْعَ قِطْعَةٍ مِنَ الْحُلِيِّ كَسِوَارٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا دَنَانِيرَ، أَوْ بَيْعِ كَيْلٍ مِنَ التَّمْرِ الْجَيِّدِ بِكَيْلٍ وَحَفْنَةٍ مِنَ التَّمْرِ الرَّدِيءِ مَعَ تَرَاضِي الْمُتَبَايِعَيْنِ وَحَاجَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى مَا أَخَذَهُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي نَهْيِ الْقُرْآنِ وَلَا فِي وَعِيدِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ خَلْوَةَ الرَّجُلِ بِامْرَأَةٍ لَا يَشْتَهِيهَا وَلَا تَشْتَهِيهِ كَالزِّنَا فِي حُرْمَتِهِ وَوَعِيدِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بأنه إِنَّمَا نَهَى عَنِ رِبَا الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى أن يكون ذَرِيعَةً لِلرِّبَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَسْمِيَتُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى رِبًا، فَقَدْ أَطْلَقَ اسْمَ الرِّبَا عَلَى الْمَعَاصِي الْقَوْلِيَّةِ الَّتِي لَا دَخْلَ لِلْمُعَامَلَاتِ الْمَالِيَّةِ فِيهَا كَالْغَيْبَةِ، فَفِي حَدِيثِ الْبَزَّارِ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الزَّوَاجِرِ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا اسْتِطَالَةُ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ أَيْ غِيبَتُهُ. وَحَدِيثُ أَبِي يَعْلَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أيضا أَتَدْرُونَ أَرْبَى الرِّبَا عِنْدَ اللهِ؟ قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِنْدَ اللهِ اسْتِحْلَالُ عِرْضِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [33: 58] وَفِي مَعْنَاهُمَا أَحَادِيثُ أُخْرَى عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ.
بَلْ فَسَّرَ بَعْضُهُمُ الرِّبَا فِي قوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} [30: 39] بِالْهَدِيَّةِ وَالْعَطِيَّةِ الَّتِي يُتَوَقَّعُ بِهَا مَزِيدُ مُكَافَأَةٍ.
الْمُحَرَّمُ لِذَاتِهِ لَا يُبَاحُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَمَا كُلُّ مُحَرَّمٍ تُلْجِئُ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ، وَالْمُحَرَّمُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ قَدْ يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ: وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَأُبِيحَ مِنْهُ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ كَالْعَرَايَا فَإِنَّهُ مَا حُرِّمَ تَحْرِيمَ الْمَقَاصِدِ، ثُمَّ أَفَاضَ الْقَوْلَ فِي حِلِّ بَيْعِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَحَقَّقَ أَنَّ لِلصَّنْعَةِ قِيمَةً فِي نَفْسِهَا ثُمَّ قَالَ: يُوَضِّحُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ إِنَّمَا كَانَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ- كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ- وَمَا حُرِّمَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ أُبِيحَ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، كَمَا أُبِيحَتِ الْعَرَايَا مِنْ رِبَا الْفَضْلِ وَكَمَا أُبِيحَتْ ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ مِنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَكَمَا أُبِيحَ النَّظَرُ- أَيْ إِلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ- لِلْخَاطِبِ وَالشَّاهِدِ وَالطَّبِيبِ وَالْعَامِلِ مِنْ جُمْلَةِ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ حُرِّمَ لِسَدِّ ذَرِيعَةِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ الْمَلْعُونِ فَاعِلُهُ وَأُبِيحَ مِنْهُ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاحَ بَيْعُ الْحِلْيَةِ الْمَصُوغَةِ صِيَاغَةً مُبَاحَةً بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، وَتَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ إِنَّمَا كَانَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ؛ فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ وَمُقْتَضَى أُصُولِ الشَّرْعِ وَلَا تَتِمُّ مَصْلَحَةُ النَّاسِ إِلَّا بِهِ أَوْ بِالْحِيَلِ، وَالْحِيَلُ بَاطِلَةٌ فِي الشَّرْعِ إِلَى آخِرِ مَا قَالَهُ، وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ بِرُمَّتِهِ فِي الْمَنَارِ (ص 540 م 9).